حكم الردة وشروطها وحرية غير المسلمين
خديجة بن قنة: نعم لكن فضيلة الشيخ كيف يمكن التوفيق إذاً بين مبدأ حرية الاعتقاد التي كرسها الإسلام وبين العقوبة المقررة في الإسلام للردة؟
يوسف القرضاوي: لا الردة هذه يعني ليست عقوبة لمجرد التفكير في الخروج من الدين ولكن كل دين وكل نظام دائما يعمل على حماية نفسه وحماية الأسس العامة والثوابت الأساسية للمجتمع حتى لا يتعرض المجتمع للتفكك والانهيار ففيه أشياء ثابتة مثلا هم بيقولوا الحرية مثلا لازم يعني الأمن الوطني وحدة الوطن النظام العام الأشياء حقوق الآخرين ديه كلها بتقيد الإيه الحريات منها أيضا إثارة الفتنة إن ناس تتعرض لعمل فتنة تمزق المجتمع هذا ينبغي أن يحمي المجتمع نفسه من أجل هذا، حرية الإنسان مكفولة ولكن إذا ترتب على هذا يعني لو واحد افرض واحد كفر بالإسلام هو حر يكفر إنما إمتى إذا أراد أن ينشر كفره في المجتمع ويثير فتنة في المجتمع ويُكوِن خطر على وحدة المجتمع هنا نقف وأنا أضرب لكِ مثل مهم حدث في عصرنا، المجتمع الأفغاني الآن اللي صار له يعني ربع قرن قاتل السوفيت عشر سنوات حتى نصره الله عليهم كان سببا في انهيار الاتحاد السوفيتي ثم بعد ذلك ظل يقاتل بعضهم بعضا وبعدين دخل الأميركان ولا يزال يقاتل مع الأميركان ما السبب فيما حدث للمجتمع الإسلامي اللي فيه حوالي اثنين مليون من الشهداء وأمثالهم من المعوقين؟ حدث هذا نتيجة جماعة ارتدوا عن الإسلام الحكومة بعتت بعض الضباط يدرسوا في موسكو أيام الشيوعية ما كانت مزدهرة هؤلاء الضباط جماعة بلشفوهم خلوهم آمنوا بالشيوعية جاؤوا إلى بلدهم اتفقوا مع بعض عملوا انقلاب شيوعي، المجتمع الأفغاني المسلم رفض هذا الانقلاب ظل يقاتل هؤلاء بالأسلحة الخفيفة الضعيفة استعان هؤلاء عليهم بالسوفيت الدبابات السوفيتية والطائرات السوفيتية والجيوش السوفيتية وهؤلاء ظل المسلمون يعاونونهم والأميركان نفسهم يعاونوهم لأنهم يعلمون إن هذا ضد الاتحاد السوفيتي القوة المنافسة لهم وبعدين حصل ما حصل كل ما حصل كان سببه إيه؟ هؤلاء المرتدون الذين حاولوا أن يغيروا هوية المجتمع فهذه خطر الردة إنما لو الردة مجرد أنا يكفر يروح.. "من يرتد منكم عن دين فيموت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة".
خديجة بن قنة: إذاً الخروج عن الإسلام غير الخروج على الإسلام الخروج عن الإسلام شيء والخروج على الإسلام شيء؟
يوسف القرضاوي: هو الحديث قال يعني "التارك لدينه المفارق للجماعة" يعني مش بس تارك دينه يفارق الجماعة فهو نوع من تغيير الولاء وتغيير الانتماء وهذا ليس من حق أي مجتمع أن يفتح الباب هل من حق أي واحد إنه يخون وطنه يقول أنا أؤمن بإن بلدنا ديه يجب يحكمها الإنجليز؟ أو الفرنسيين هل من حق الجزائريين يقولوا لا أنا أؤمن بالاستعمار الفرنسي هل يباح له هذا؟ هل من حق أي واحد مصري يقول أنا أؤمن بالاستعمار الإنجليزي يحكم البلد؟ لا يُسمَح له يعني فيه أشياء تكون خطرا على هوية المجتمع.
خديجة بن قنة: فضيلة الشيخ كنا تحدثنا عن قاعدة لا إكراه في الدين لكن هذه القاعدة قاعدة عدم الإكراه في الدين ألا تتعارض مع العقوبة المقررة في السُنة النبوية الشريفة ورد في الحديث أن من بدل دينه فاقتلوه فهل من تعارض بين المبدأين؟
يوسف القرضاوي: لا ما إحنا قلنا إنه ليس العقاب على الخروج من الدين العقاب على الفتنة التي يثيرها المرتد يعني كما تكون مثلا ردة جماعية، حينما حدثت الردة الجماعية في عهد سيدنا أبو بكر لم يسع الصحابة إلا أن يقفوا ضد هذه الردة حتى بعض الصحابة يعني استكثرت يعني ارتدت قبائل العرب وتبعوا أنبياء كذبة مسيلمة الكذاب، سجاح، الأسود العنسي الكذا الناس اللي.. والعصبية دفعتهم قالوا كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضى، هل يستسلموا أمام هذا ويقولوا هم أحرار؟ لا لأن هنا الدين يعني فسيدنا أبو بكر والله يعني أبى إلا أن يقاتلهم المرتدين ومانعي الزكاة..
خديجة بن قنة [مقاطعة]: نعم لكن فضيلة الشيخ هذا لا يقلل من خطورة..
يوسف القرضاوي [متابعاً]: فأحيانا الردة الجماعية الردة المصحوبة بإثارة فتنة على المجتمع كما ذكرت لكِ في قضية أفغانستان هنا لابد من مقاومة الردة..
خديجة بن قنة: الردة الجماعية لكن هل..
يوسف القرضاوي: إنما إذا استسلم المجتمع يقول ما قال الشيخ أبو الحسن ندو رحمه الله يقول ردة ولا أبا بكر لها معناها إن المجتمع ينهار ويذهب دين وتذهب هويته والناس تستسلم لا.
خديجة بن قنة: نعم لكن فضيلة الشيخ هذا لا يقلل من خطورة الردة الفردية لأنه تكاثر ظاهرة الردة الفردية ستتحول إلى ردة جماعية كيف يمكن مقاومتها وحصارها حتى لا تتفشى أو تنتشر أفكار الردة في وسط المجتمع الإسلامي؟
يوسف القرضاوي: هو طبعا فيه الوقاية خير من العلاج يعني كيف ده؟ أولا أحب أن أقول ظاهرة الردة ليست ظاهرة إسلامية يعني لا يوجد في الإسلام مرتدون هذا نادر جدا، إن هذا الدين يعني إن يخرج منه من دخل فيه هذا يعني من الندرة بما كان يعني فلا ينبغي إن نشير عليها إنها ظاهرة، الناس بتخرج من الإسلام هذا فيه ردة فكرية الناس ترتد إنما الردة الدينية الخروج من الإسلام يعني هذا يعني شيء نادر ولكن مع هذا أنا أقول إنه العقوبة المقررة هذه يعني فيها كلام كثير يعني جدا فيه بعض الناس بتنكر العقوبة نهائيا ولكن لا الإجماع على أن هناك عقوبة هل هي القتل أو غير القتل يعني المرتد محكوم عليه بالإعدام الأدبي مكنش الإعدام المادي الإعدام الأدبي لأن يفقد ولاء المجتمع تُطلَق زوجته منه لم يعد مؤتمَنا على أولاده فهذه خطورة أمر الردة والشيء المهم ألا يتسرع الناس في الحكم بالردة أيضا عشان نقول إن الشخص مرتد مش يقعد مجموعة من الشباب يقولوا ده فلان مرتد ده عمل كذا ديه مرتدة لأنها لابسة مش عارف إيه ده مرتد لأنه كتب مقالة لا يعني لكي نثبت الردة لابد أن تثبت بحكم قضائي يحكم به علماء راسخون يعرفون حقيقة الإسلام وحقيقة الخروج عنه إنما بعض الناس يعني بعض الشباب يجعل من نفسه مفتيا وقاضيا وشرطيا يعني السلطات الثلاث سلطة الفتوى وسلطة القضاء وسلطة التنفيذ هذا أمر لابد أن نتأكد من إن الشخص مرتد بالفعل ومرتد..
خديجة بن قنة: لم نفهم إلى الآن هل العقوبة هي القتل تطبيق الحد أم الحبس أم الغرامة هل هناك حالات مختلفة أم أن هناك حكما صالحا لأنه هناك إجماع الفقهاء على أن عقوبة الردة هي تطبيق الحد وهو القتل؟
يوسف القرضاوي: هو ليس إجماعا ولكن جمهور الفقهاء المذاهب الأربعة أو المذاهب الثمانية تقول بعقوبة القتل فيه بعض الناس بيشكك في هذا ويقول القرآن مجاش بالعقوبة السُنة جاءت وبعضهم يقول حتى شيخنا الشيخ شلتوت رحمه الله في كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة) قال يعني هذا ثبت بحديث أحاد وبعض العلماء يقولون أن أحاديث الأحاد لا تثبت بها الحدود وأنا أقول أولا القرآن أشار إلى عقوبة الردة في آية سورة المائدة {إنَّمَا جَزَاءُ الَذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} إلى أخره بعض السلف ابي قلابة وغيره قالوا هذه في المرتدين يعني جعلوا هذه الآية وقال شيخ الإسلام ابن تيمية المحاربة بإشاعة الكفر أشد من المحاربة بإشاعة الاضطراب في الأمن يعني يقول إفساد الدين على الناس أهم من إفساد الدنيا فاعتبر هؤلاء يحاربون الله فأعتبر الآية نزلت في هذا، هناك أيضا القرآن يقول {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} يعني فيه ناس ستقاوم الردة تقاومها بالقوة فهذه إشارات قرآنية مهمة وبعدين الردة لم تثبت بحديث أحاد وحديث واحد ده ثبتت بأحاديث مستفيضة على الأقل عندي عشرة أحاديث من عشرة من الصحابة عشر أحاديث صحاح من عشرة من الصحابة عن عثمان وعلي وعائشة وابن مسعود وابن عباس وأبي موسى الأشعري ومعاذ ابن جبل وأنس وأبي هريرة ومعاوية ابن حيدة عشرة من الصحابة أحاديث صحيحة فما يقلش ده أحاديث أحاد ده أحاديث مستفيضة يمكن لو بحثنا نجد يعني.. ولكن هل القتل لازم؟ لا أنا أقول لازم في بعض أنواع الردة الردة المثيرة للفتنة التي تشكل خطرا على المجتمع إنما الردة العادية يعني ممكن.. ورد عن سيدنا عمر إنه جاء أنس من بلدة اسمها توستر في فارس في إيران وسأله ما فعل الرهط من بكر ابن وائل الذين ارتدوا عن الإسلام قال له يا أمير المؤمنين قُتِلوا فقال إنا لله وإنا إليه راجعون فأستغرب أنس وقال وهل كان سبيلهم إلا القتل؟ هل كان لهم عقوبة غير كده فقال نعم كنت أستتيبهم فإن تابوا وإلا أودعتهم السجن، هذا ورد عن سيدنا عمر ولذلك من الأئمة التابعين الإمام إبراهيم النخعي وهو من تلاميذ المدرسة المسعودية ابن مسعود ومن شيوخ أبي حنيفة يرى إنه المرتد يستتاب أبدا وأخذ ذلك الإمام سفيان الثوري قال يستتاب أبدا وبعضهم يقول ما رضيت توبته مادمنا نرتضي أن يتوب نظل نعرض عليه..
خديجة بن قنة: مدى الحياة.
يوسف القرضاوي: فيه شيء يعني المفروض من جميع الفقهاء إن المرتد يستتاب معنى يستتاب يعني تطلب منه التوبة يعني يُناقَش يُقنَع نشوف شبهته إيه نحاول نزيل الشبهة كم مدة قد إيه؟ بعضهم قال ثلاث أيام بعضهم قال أربعين يوم بعضهم قال أبد الدهر مثل سفيان الثوري وإبراهيم النخعي فهناك مجال إذاً يعني ليس هناك إجماع مادام لا يوجد إجماع فعند المجتهد المعاصر مجال للترجيح وأنا لي رسالة اسمها (جريمة الردة وعقوبة المرتد) ناقشت فيها هذا الأمر مناقشة يعني مستفيضة والحمد لله.
خديجة بن قنة: نعم لكن فضيلة الشيخ مَن الذي يملك حق الحكم على شخص بأنه مرتد وما هي الأدلة التي يجب أن تتوفر؟
يوسف القرضاوي: المحكمة الشرعية التي تتكون من علماء قادرين على هذا الأمر هي التي تحكم مش الأفراد مش بعض الشباب اللي يعملوا من نفسهم محكمة ويقولوا ده مرتد لا، هذا لابد أن يُرجَع الأمر إلى القضاء الشرعي والذي ينفذ حكم الردة مش الأفراد لا الحاكم ولي الأمر هو الذي يفعل هذا فإذا فعل الأفراد هذا افتأتوا على سلطة الإمام وأخذوا حق غيرهم.
خديجة بن قنة: طيب نريد أن نتحدث أيضا فضيلة الشيخ عن الحريات المتاحة أيضا لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي أية حرية متاحة لهؤلاء عندما يعيشون في مجتمع إسلامي سواء في معتقداتهم أو في ممارسة عباداتهم وشعائرهم وبناء دور العبادة الخاصة بهم؟
يوسف القرضاوي: كل الحريات الدينية مباحة لغير المسلمين، أنا منذ ثلاثين سنة يعني ألفت كتابا سميته (غير المسلمين في المجتمع الإسلامي) مرضيتش أقول الكفار ولا أهل الذمة غير المسلمين في المجتمع المسلم فيه مسلم وفيه غير مسلم غير المسلمين وذكرت الحريات المتاحة لهم الحرية الدينية والحرية المدنية والحرية الفكرية والحرية السياسية كل الحريات متاحة لهم وهم في المجتمع المسلم مصونة حرماتهم لا يُكرَه أحد على الدخول في الإسلام، الإسلام دخل بلد مثل مصر ظل الناس على دينهم مدة طويلة من الزمن حتى تأثروا بالمسلمين وبدؤوا يدخلون في دين الله أفواجا في العهد الأموي حتى في عهد عمر بن عبد العزيز شكا واليه قال له الناس بتدخل في الإسلام بالآلاف ومعني أما يدخل في الإسلام تسقط عنه الجزية ولا تجب عليه الزكاة إلا بعد حول فالميزانية يعني في الحالة دية بتتأثر فكانوا يفرضون الجزية على مَن دخل في الإسلام فقال له إنما الناس قبلك كانوا يفرضون الجزية على مَن أسلم هل أفرض عليهم الجزية فأرسل إليه يقول له قبَّح الله رأيك إن الله بعث محمدا هاديا ولم يبعثه جابيا يعني الدولة الإسلامية دولة هداية مش دولة جباية دخل في الإسلام يسقط عنه فالناس دخلوا باختيارهم كل بلادنا هذه العربية في الشام وفي العراق وفي مصر وفي شمال أفريقيا كانوا معظمهم مسيحيين دخلوا الإسلام مختارين يعني ما حد أجبرهم وأهل البلاد اللي هم الأصليين تُرِكوا على دينهم منهم مَن دخل في الإسلام وهم الأكثرية ومنهم مَن بقي على دينه لم يضار أحد في دينه بل بالعكس المسلمين مطالبون أن يقاتلوا لو أن أحدا تعرض عشان يهدم كنيسة أو يمنع الناس من الحرية الدينية أو من هذه الأشياء حريتهم مكفولة لهم يعني.