بسم الله الرحمن الرحيم


حديث ذي النون المصري وما جرى له مع سعيد العابد رحمهما الله تعالى

قال ذو النون المصري ارقت ذات ليلة ارقا شديدا اتفكر في الدنيا وذهابها وفي الاخرة وحسابها فحسست بقساوة في قلبي فعتبت على نفسي وخرجت من منزلي لعلي اعتبر فاتيت القبور فلم يزداد قلبي الا قساوة فاتيت مجالس العلماء فلم يزداد قلبي الا قساوة فسرت على شاطئ النيل واذا انا بصوت خفي وهو يدعوا بهذا الدعا يا من على عباده حكمه وقضاه يا من اذا دعاه المكروب اجاب دعاه يانور النور يا عزيز ي غفور يا عادل لا يجور قال ذو النون فاتبعت الصوت واذا انا بشاب اسمر اللون نقي الاثواب نحيل البدن واقف يعبد الله تعالى فسلمت عليه فرد علي السلام وقال اهلا وسهلا بك يا ذا النون فقلت من اين تعرفني قال كشف عن قلبي وبصري فاصرف خاطري الى معرفة ذي النون المصري فقلت له ما اسمك قال اسمي سعيد وانا مع ذلك اقصر العبيد في طاعة المولى الحميد ومعي سائق وشهيد وعلي رقيب عتيد قال ذو النون متى يستوجب العبد من مولاه الولاية قال اذا خلع عليه سيده ثوب السعادة والعناية وقلده سيف الكرامة والكفاية فقام الليل وصام النهار حتى اذا قرب المزار لحق بالسادة الابرار قال ذو النون زدني يرحمك الله قال يا مفتون بالفاني داوم الوقوف بالباب يرفع لك الحجاب وكن صموت واقنع من دنياك بالقوت واعلم بانك تموت وتفكر في قدرة الجبروت وقال شعرا

العمر ينقص والذنوب تزيد
والروح تخلو والزمان جديد
والله يحصي كل ما اسلفته
في السر والاعلان وهو شهيد
يا ايها العاصي وقلبك صخرة
افلا تلين وترهب التهديد
ان الجبال الشم تخشع كلما
وعظت وقلبك قاسي وحديد
يا خجلتي اذا قال لي ربي غدا
يا عبدي انت مباعد مطرود
وجه المطيع عليه نور ساطع
والمجرمون لهم وجوه سود

قال ذو النون المصري فلما سمعت شعره انصدع قلبي وتبادرت دموعي على خدي فقلت له زدني يرحمك الله قال
الحذر الحذر قبل فناء الاعمار فان الايام قصار والدهر غرار ثم انظر الى من خلت منهم الدار وخسروا عند الحساب اعظم خسار وايسوا من رحمة الغفار فقلت له زدني يرحمك الله قال يا ذو النون كيف اراك وقد اسود كتابك وقد قرب الله مابك وكيف اذا نوديت على رؤوس الثقلين هذا فلان ابن فلان خذوه الى دار الهوان فقد بارزني بالعصيان وما استحى مني وانا المنان ولا راقبني في سائر الاحيان فامن الرحمة والغفران وانشد يقول

مثل وقوفك ايها المغرور
يوم القيامة والسماء تمور
واذا السماء مطوية بيمينه
سبحانك من قادر وغفور
لا تحقرن من الذنوب قليلها
ان القليل من الذنوب كثير
او ما ترى قطر السماء ونزوله
قطر على قطر يصير غدير

فقلت له زدني يرحمك الله قال لو تذكرت اكفانك لما غمضت اجفانك لو تذكرت انك تموت لما عمرت المنازل والبيوت ثم قال خير العباد من كان على نفسه ينوح واذا سمع المواعظ فالى عفوه يرغب وفي محبته يسوح وقال يا ذا النون لكل شيء افة فافة الطاعة الكسل ياذا النون طاعة العلماء ايضاح الحق وطاعة الاغنياء السدقة وطاعة الفقراء الصبر وطاعة الشباب التوبة وطاعة النساء الحيا وطاعة القلوب الخشوع وطاعة العيون الدموع وطاعة الاذنين الاستماع فقلت له زدني يرحمك الله قال لقد اشغلتني بالكلام عن ذكر الملك العلام ثم قبض من صعيد الارض ورماني بها فاذا هي لؤؤة وذهب يسرج فاشتغلت بالنظر اليها فغاب عني ولم اره بعد ذلك ولا اعرف له خبر

منقو من كتاب الوعظ